سألني بلهفة: كيف أنسحب من العلاقة مع فتاة تحبني، وقد يفضي انسحابي إلى مشكلات نفسية وصحية عندها؟ 
قلت له: قد يخيل لك الشيطان ضرورة المتابعة في علاقة محرمة حفاظاً على مشاعر الفتاة، أو حالتها الصحية أو النفسية، وهذا من الأساليب الشيطانية المفضوحة والمتكررة، وصدقني هذا العذر ليس مقبولاً بين يدي الله، فنبيك صلى الله عليه وسلم أوصاك أن تحرص على ما ينفعك، خاصة إذا كان هذا النفع ضمن دائرة الواجب عليك كخروجك من الحرام في هذه المسألة. 

 

وهل الحب حرام؟ ​وهل يترتب على مشاعرنا نحو الجنس الآخر أي عقوبة دينية أو أخروية؟

في الحقيقة: لا يترتب على مجرد العواطف التي تجيش في قلوبنا وصدورنا والأفكار التي تدور في رؤوسنا في هذا النطاق أي ثواب أو عقاب شرعي، فالحب شعور انفعالي لا اختياري، ولذلك لا تتعلَّق به الأحكام الشرعية من حرمة أو وجوب أو كراهة؛ فالله تعالى لم يأمرنا في آية واحدة بالحب، ولم ينهنا عنه في آية واحدة، إنما أثنى على ما يترتب على هذا الحب من الفضائل، وذم ما يجنيه غيره من الرذائل، فإنه القائل: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ}

فمن رحمة الله تعالى أنه لا يحاسبنا بخطرات قلوبنا، ويقتصر السؤال عمَّا اكتسبت أيدينا، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «إنَّ الله تعالى تجاوزَ لأُمَّتِي ما حدَّثَثْ به أنفُسَها، ما لم يَعْمَلُوا به أَو يتكلَّمُوا» [رواه البخاري ومسلم].

لكن المشكلة أن معظم المحبين لا يصبرون عن الحب، ولا يوفرون فرصة لتغذية القلب من خلال الحواس، فيقعون في النظرة المحرمة، واللمسة المحرمة، والهمسة المحرمة، والخلوة المحرمة، والخِلطة المحرمة...

يقول الشيخ على الطنطاوي: (ما في الحب شيء، ولا على المحبين سبيل، إنما السبيل على من ينسى في الحب دينه، أو يضيع خلقه، أو يهدم رجولته أو يشتري بلذَّة لحظة في الدنيا عذاب ألف سنة في جهنم).

 

قد يهمك (الحب.. بين الفضيلة والخطيئة)


سأزودك بوسائل تساعدك على هذه الخطوة: 
طبعاً هناك وسائل كثيرة يُنصح بها كل من يعزم على الالتحاق بجادة الصواب وقطع العلاقة المحرمة، ثم نسيانها بعد قطعها، وسأنطلق في هذا من ثلاثة قواعد، تليها عشرون خطوة: 
- القاعدة الأولى: قطع العلاقة من غير ألم أمر صعب ولكنه ليس مستحيلاً.
- القاعدة الثانية: النسيان يحتاج إلى وقت، ويكون أصعب كلما كان عُمر العلاقة أطول. 
- القاعدة الثالثة: الزواج هو الأفضل إن أمكن، فإن كانت الفتاة جيدة واعية صالحة مناسبة كزوجة، وكانت ظروفك الآن -وليس بعد سنوات- تساعدك على الزواج فالزواج هو الحل الأفضل والأمثل للمتحابين، فقد جاء في الحديث: «لم يُرَ للمتحابيَّن مثلُ التزويج» [ابن ماجه والحاكم].

 

لكن إذا كانت المعطيات تقول بأن هذا الزواج غير ناجح وأن هذه الفتاة غير مناسبة، أو أن الوقت الآن غير مناسب للزواج لك أو لها أو لكما معاً فعندها يجب كبح جماح النفس عن هواها، وعدم خوض معركة حرق الأعصاب والمشاعر، وتفويت الفرَص ووأد الطاقات في بوتقة العواطف، وذلك ضمن هذه الخطوات العشرين


1)    اتخد قراراً بترك العلاقة ونسيانها، فهذا نصف الطريق، وأهم الخطوات، وأصعبها، وفرق كبير بين الإرادة التي يتبعها القرار، وبين الرغبة التي يتبعها التمنِّي، ولربما حدثتك نفسك مراراً بقطع هذه العلاقة، لربما تمنيت فعلاً لو لم تتعرف على هذه الفتاة، لكن كل ذلك لم يكن إرادة حقيقية، لم يكن قراراً حاسماً، بل أماني وأوهام، وهنا أنا أتحدث عن قرار حاسم، تنوي فيه التوبة إلى الله تعالى، تقلع فيها عما أنت فيه، وتندم على ما كان منك، وتعزم على عدم العودة يقيناً إلى هذا الحال، ثم تفكر بالخطوات اللازمة لتطبيق هذا القرار ودعمه والحفاظ على مستخرجاته. 

 


2)    إلغاء وسائل التواصل مع من ترغب بنسيانها، مثل مسح رقم الهاتف أو إلغاء الصور الشخصية أو إلغاء حساب التويتر أو الفيس، أو حتى تغيير الطريق الذي تراها فيه عادة، أو عدم زيارة الأماكن التي اعتدت أن تراها فيها. 


3)    صارحها بقطع العلاقة وأنت حازم في اتخاذ القرار وإن كان في ذلك حرجاً عليك وإن ضمنت عدم ضعفك وعودة المياه لمجاريها السابقة؛ لأن ألم المصارحة خير من ألم الظن بالاستمرار من طرفها، وكما يقولون: الحق المر أهون ألف مرة من الوهم المريح.


4)    كن واضحاً معها بالسبب، حتى لا يذهب ذهنها لأسباب أخرى فتصاب بنوبات نفسية، أو تعظم صدمتها العاطفية، أو تنشغل بمحاولة الانتقام منك والدعاء عليك.


5)    لا تؤملها بقادمات الأيام أن يتغير الحال، فتطيل من معاناتها بهذا الأمل في السراب.

 

 


6)    لا تبرر موقفك إلا إذا رأيت في ذلك منفعة، أو ضعفاً حقيقياً عن المواجهة، أو خوفاً من العواقب، كأن خشيت أن تنقلب عليك، أو تسيء إليك.


7)    ابتعد عن التشهير بها أو تشويه سمعتها أو إفشاء سرها بعد قطع العلاقة، فليس ذلك من مكارم الأخلاق.


8)    لا بد في هذه المرحلة أن تسعى لإيجاد البديل في العلاقات والصداقات الصالحة والطيبة، والتي تعوضك، وتدعمك، وتحميك من التراجع.


9)    اعمل على تغذية روحك بجميل الصلة بالله، يقول ابن القيم في زاد المعاد: (وعشقُ الصُّوَر إنما تُبتلى به القلوبُ الفارغة مِن محبة الله تعالى، المُعْرِضةُ عنه، المتعوِّضةُ بغيره عنه، فإذا امتلأَ القلبُ من محبة الله والشوق إلى لقائه، دفَع ذلك عنه مرضَ عشق الصور، ولهذا قال تعالى في حقِّ يوسف: {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} [يوسف: 24]، فدلَّ على أن الإخلاص سببٌ لدفع العشق وما يترتَّبُ عليه من السوء والفحشاء التي هي ثمرتُه ونتيجتُه). ا.هـ. 

طبعاً ليس كل حب فاحشة، ولكن الحب الذي لا يقرِّب إلى الله يُبعد عنه، ويشغل القلب بغيره، ويعيق العبد في طريقه إلى مولاه، فإن اختلط الحب بما يخالف الشرع غار الله على دينه من هذا المحب أكثر من غيرة المحب على محبوبته، فكان الحب حاجباً وصارفاً عن الله - والعياذ بالله -. 


10)    لا تفكر بالماضي بعد تركها، وإذا راودتك الذكريات القديمة حاول أن تشغل نفسك بالمفيد من عمل أو رياضة أو قراءة أو أي نشاط حركي حتى لا تأسرك ذكراها.

 

 


11)    كما يساعدك في نسيانها أن تعتبرها قدراً من أقدار الله، وتوقن أن فيها خيراً كثيراً، وعند أهل البادية مثل يقول: (إذا طار طيرك قول سبيل)، يعني: إذا فقدت طائراً أنت متعلق به بعدما علمته ودربته فقل سبيل، أي: أنك نويت فقده (في سبيل الله) حتى تأخذ على الفقد أجراً، وهذا أسلوب ذكي في تسلية النفس بالفقد.


12)    كن واثقا بالله تعالى أنه سيعوضك خيراً من بعد هذه العلاقة المؤلمة أو الخاطئة بعلاقة أخرى أفضل وأحسن، فمن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه في دينه ودنياه.


13)    من الأفكار التي تساعدك -وقد تحتاجها أحياناً- تغيير مكانك أو بيئتك مؤقتاً، فمثلاً إن كانت الفتاة في الجامعة لا يمنع أن تجتهد باجتناب حضور المحاضرات التي تكون فيها، والاستعاضة عن ذلك بزملائك وكراساتهم وتسجيلاتهم، وإن كان ذلك صعباً فمن حقك على نفسك أن تقدم طلب توقيف دراسي لجامعتك -إن كان هذا متاحاً-، أو تخسر سنة وتكسب عمرك وقلبك وعلاقتك بربك، وطبعاً هذا القرار يكون في مراحل متقدمة حين لا تنفع الأدوية الأخرى.

 


14)    ومن الأفكار التي تساعدك كذلك أن تنمي هواياتك وتخذ هذه الحالة فرصة لتجدد حياتك وتكسر روتين يومك وتشارك في البرامج الترفيهية والثقافية وتخطط لرحلة سياحية وتضع خطة لمستقبلك وتكمل تعليمك، وترى أن في الحياة فسحة جميلة أخرى، والسعادة لا تقتصر على ذلك المحيط العاطفي الذي ألفتَه، فالإنسان -كما تعلم-: عقل يفكر، وقلب يحب، وجسد ينمو، ونفس تسمو، وروح تحلِّق في عالم الصفاء، ولكل من هذه الأجزاء دوره في حياة المرء، وأي خلل يطرأ إلى أحدها يؤثر على الباقي، لذلك على الإنسان أن يجتهد للعيش متوازناً ما استطاع (قد يهمك: ستة أشياء هي أنت)، ولعل ميله إلى ما أصابه في الجانب العاطفي يؤثر على باقي أنشطته فلا بد أن يعين نفسه بخلق نوع من العطاء في الجوانب الأخرى، فأحياناً تميل النفس إلى أحد هذه الجوانب على حساب الأخرى، ربما لأنها تجد فيها الراحة والسعادة التي تسعى إليها دائماً، لكن التوجيه الشرعي يقول: (أعط كلَّ ذي حق حقه)، وهذه المرحلة مفيدة جداً لإعادة خلق التوازن لديك.


15)    أشغل نفسك بالعمل الخيري والنشاط التطوعي فنفسك إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل، والحب يقوم على العطاء، وبالعمل الخيري تدرك لذة أنواع أخرى من العطاء، قد تكون أعظم بكثير من عطاء يوافق هوى نفسك ويخالف تعاليم شرعك!


16)    احرص على أن لا تتحدث مع الآخرين عن علاقتك القديمة حتى لا تثير عواطفك فتشتاق للماضي وتحاول العودة إليه. 


17)    أكثر من الاستغفار، فالاستغفار يفرج الهم ويزيل الغم، خاصة إن كنت قد فعلت معها أمراً محرماً، فاستغفر الله وأكثر من الطاعات يعينك على اجتياز المضيق، والخروج من عنق الزجاجة. 


18)    ادعُ الله أن يخرج من ترغب بقطع العلاقة معها من قلبك، فالقلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلِّبها كيف يشاء، لكن لا تقتصر على الدعاء وحده من دون ما سبق. 


19)    تذكر أن قطع العلاقة ليست هو نهاية الحياة، وكثير من الشباب مرُّوا بما مررت به، ودارت الأيام وتعافت قلوبهم بشكل كامل، وعادت همتهم ونشاطهم الحياتي كما كان سابقاً، أو حتى أفضل مما كان، وربما تأتيك وساوس بأن قطع العلاقة تعني العزلة عن الحياة! فهذا ظن غير صحيح، بل من كان غنياً بالله أغناه الله عن الخلق، فكن مع الله يكن الله معك.


20)    انوِ في كل ما تقدم أنك تعمل على إنهاء العلاقة عبادة لله ونزولاً تحت أمره ورحمة بخلقه وصوناً لأعراض المسلمين، ونأياً بنفسك عما لا يرضي الله وما لا يليق بمسلم، هذه النية تعينك على المضي قدماً، وتثبتك في لحظات الضعف والرغبة في التراجع، وتجعل من معاناتك وقوداً تتألق به علاقتك مع الله.