أن تدعوك ظروفك الاستثنائية المرحلية العابرة.. إلى إعادة النظر في أولوياتك الرئيسة الثابتة.. هذا من أعظم الأخطاء التي يمكن أن ترتكبها في حياتك، فكثير ممن تخلَّوا عن أهدافهم ونأَوا عن إنجازهم وغيروا في الحياة مواقعهم ومساراتهم كانوا قد عبثوا يوماً بتلك البوصلة على واحد من منعطفات الطريق ومحطات الحياة. 


ثَمة أشخاص متوازنون كثيرون التقيت بهم في حياتي؛ كانت أولوياتهم الكلّيّة ثابتة ومستقرة (دراساتهم، قراءتهم، عباداتهم، أعمالهم، علاقاتهم الاجتماعية...)، وكانت تحركاتهم الإسعافية في الطوارئ لا تطال غير هامش الثانويات التي لا يضرّ تأخيرها وتعديلها قلبَ الفاعلية الذي يضخ بين جنباتها الأثر. 


- انشغالك ببناء بيتك وتأمين باءة زواجك لا يبيح لك تأجيل تعليمك أو إهمال والديك..
- مواسم سوقك لا تكفيك عذراً للتقاعس عن مسؤولياتك في أسرتك أو أداء ما التزمتَ به من عباداتك.
- إعدادك لمذكرة تخرُّجك وانصرافك لإنهاء تخصّصك لا ينبغي أن يعطل اهتمامك برياضتك وصحتك ويغير برنامج نومك الصحي. 
- ضائقتك المالية الموجعة مهما كانت.. تظل أصغر من أن تدفعك للانتحار المعنوي وإغلاق كامل ملفاتك للالتفات إلى معالجتها والاستنفار لتخطيها.. 
- وفاة عزيز، وفقد غالٍ، وحصول مكروه... لا يكفي عند الله والناس للاستقالة من الحياة. 


هذه التغييرات المرحلية في الحياة لو ضعفنا أمامها وواجهناها بهلع وتطرف ستَخلق فينا عادات متطرفة.. ستدربنا على إلقاء أحمالنا متى شئنا لأي أمر شئنا على مَن شئنا... ستنتهي الظروف الاستثنائية وتدور الأيام وسنواجه صعوبة قاتلة في العودة إلى ما كنّا عليه قبلها من التوازن والإنجاز والفاعلية والتصالح مع الذات والمحيط، وربما تظل تلك المساحات التي خصصناها يوماً لعظائم الأمور شاغرة في أوقاتنا وأذهاننا؛ لتملأها بعد ذلك توافه تحملنا إلى الجزء المنسي في مزابل التاريخ.