كثير من الشباب يرغب بالزواج، لكنه لا يجد له سبيلاً، ولا حتى بريقاً في الأفق يعزيه ويصبِّره، بل كلما أبصر في الشارع والعمل والجامعة والتلفاز والكمبيوتر والمحمول... يجد ما يؤجج عنده الطلب ويعزز الحاجة ويزيد الحرقة على أمنية لا يجد وسيلة لتحقيقها...

لا تكاد تميل نحو هذا الحديث معه حتى يسأل: كيف السبيل لكبح شهوات نفسي مع العلم أني لا أملك الباءة المادية للزواج حاليا؟

 

لقد خلق الله تعالى هذا الكون على طبيعة الزوجية {وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [الذاريات: 49]، ثم قدر طبيعة الأَزْوَاج في كل هذا الخلق أن تتجاذب إلى بعضها؛ فالذَّكَر والأنثى في النوع الواحد يتجاذبان حتماً بحكم الطبيعة والفطرة، ونحن البشر جزء من هذه المنظومة، وننزل تحت أحكامها ونندرج ضمن قوانينها، فترى الرجل يمَيْل للمرأة، والمرأة تميْل للرجل، وفق ذلك القانون العامِّ، الذي اقتضته حكمة الله سبحانه، لا سبيل إلى تجنُّبِهِ أو إنكاره، ومَن لم يَجِد ذلك في نفسه فعليه مراجعة الأطباء، لأن هذا مؤشر لمرض عضوي أو نفسي.

 

وقد اعتنى الإسلام بهذا الميل المتبادل، وتجلى ذلك في تهذيبه والتحكم به، وإجرائه في أقنية شرعيَّة، وتسليكه في مسالك نظيفة تمثَّلت بالزواج حصراً؛ ليتعفف كلٌّ من الزوجين بالآخر، وتستمر الحياة، ولا ينقرض النسل، ويجتنب البشر وذراريهم الأضرار المترتبة على الفوضى الجنسية بدنياً ونفسياً وأسَرياً واجتماعياً ودينياً...

فمع ما أودع الله في كلٍّ من الجنسين من الرغبة في الآخر، غير أنه حذَّر من الاقتراب من كل ما يثير في النفس غرائزها أو يحرك شهوتها خارج الإطار المسموح به، بدءاً من الأمر بغضِّ البصر، وتحريم اللمس، وضرب السياج المتين الذي يصون المرأة والرجل ويحفظهما ويكبح جماحهما من خلال النصوص التي وترشد إلى المباعدة بين النساء والرجال، وتأمر المرأة بالقرار في بيتها، والحجاب، وغض البصر، وتحذر الرجل من فتنة النساء، والدخول على النساء، والجلوس في مجالسهنَّ، وتأمره بغضِّ البصر وكبح جماح النفس.

والسعيد من وعى ذلك، وحرس قلبَه ومشاعرَه وشهوته بعقلِه وإرادته وشرعِ ربه، ومضى في سبيل النجاة مبتعداً عن التفكير فيما حرَّم الله، وعلِم أن الدنيا لا تسير كما يُريد، بل وفق أقدارٍ حكيمةٍ، لا تزول حكمتها بجهله بها.

 

ما كل ما يتمنى المرء يدركه

 

تجري الرياح بما لا تشتهي السفن

 

هذا وإن الزواج في سن مبكرة هو السبيل الطبيعي الوحيد لتنمية هذا الميل وتصريف الشهوة، فتُنصح الفتاة بقبول أول خاطب مناسب يقرع باب أهلها، ويُنصَح الشاب بالمبادرة إلى جمع مؤن الزواج، والبحث عن الزوجة المناسبة، وسيجد من الله عوناً على ذلك، فمن صدَق الله صدَقه، ومن طلب الحلال يسَّر الله له أسبابه، فأعانه مادياً ومعنوياً ونفسياً وإيمانياً وأخلاقياً..

 

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة حقٌّ على الله عونهم: المجاهد في سبيل الله، والمكاتَب يريد الأداء، والناكح الذي يريد العفاف» [الترمذي والنسائي].

وقال صلى الله عليه وسلم: «ومَنْ يَسْتَعِفف يُعِفُّه الله، ومَن يستَغْنِ يُغْنهِ الله، ومن يتصبَّر يُصَبِّره الله» [متفق عليه].

ولئن أُرتِجَت في وجه الشاب أبواب الإعفاف بما أحل الله تعالى من الزواج، وخشي العنت والفتنة على نفسه، وجب عليه بذل المستطاع من الأسباب المساعِدة، والسعي في إحصان نفسه لإبلاغها بَر الأمان، الذي يطمئن فيه على دينه وعفته وصحة نفسه، وأبيح له في هذه الحالة طلب القرض في سبيل الزواج، وقد تكفل الله تعالى بمعونته في السداد، وقد يصل الحال به إذا اشتد توقانه إلى وجوب القرض عليه ليحصِّن فرجه ويجنِّب نفسه الفتنة.

 

 

فإن وجد الشاب نفسه أسير شهوته، سُدَّت في وجهه أبواب الزواج، واندثرت من حوله أسبابه، وزينت له نفسه المعصية، ويسَّر له الواقع الخوض فيها، فليتأكد بأن ما هو عليه ليس متفرداً به وحده، فليس الشاب المسلم الوحيد في هذا العالم الذي تُغرَض عليه كل يوم أصناف النساء، وألوان الفتن والمغريات، والتي تترك في النفس البشرية أيما أثر، وتسهل طريق الفاحشة والفتنة أيما تسهيل، فلا يكن من الكثير الهالك، وليحرص أن يكون من القليل الناجي، وليسلك سبيل السلامة، وليعلم أن لمجاهدة النفس وعصمتها عن الحرام أسباباً ووسائل مختلفة، فليحرص عليها إن أراد نجاة، منها:

 

1) الابتعاد عن المثيرات الجنسية:

فالوقاية هي أساس إن أردنا النأي بالنفس عن البلايا من المحرمات والشبهات، ودونها لن يُفلح العلاج، ففي الإنسان شهوة أودعها فيه الخالق سبحانه وتعالى، وهو مأموربأن يصرف هذه الشهوة في مكانها، وأن لا يتعدى فيها، ولكن ليس من المعقول أن يقوم بنفسه بتهييج هذه الشهوة بشتى الوسائل السمعية والبصرية وغيرها، ثم يقول: لم أستطع أن أكبح جماح نفسي ويقع فيما حرمه الله سبحانه.

 

لذلك أول خطوات العلاج هو الابتعاد عن كل مجلسٍ أو موقفٍ فيه اختلاط بالنساء، والحذر من متابعة الأفلام والمسلسلات والصحف السيئة، والبرامج الهابطة وارتياد الأماكن التي تثير الشهوة، فإن كان الاختلاط في الدراسة أو العمل توجد ضرورة لذلك وجب إشغال المرء نفسه بما بين يديه من عمل أو كراس عن متابعة حركات الفتيات وأحاديثهن، فإن رأى من نفسك ضعفاً عن ذلك ولم يحتمل الأمر وجب عليه ترك المكان الذي هو فيه، ولرغيف في الحلال خير من رزق واسع يودي بصاحبه إلى النار والعياذ بالله.

 

2)الحذر من هوى النفس، ومراوغتها وفلسفاتها، ومحاولة فهمها ومعرفة أساليبها:

فالنفس البشرية عامَّة تأبى الالتزام، وتتطلع إلى التفلُّت عن كل قيدٍ وضابطٍ، ولن تساعد صاحبها على تفادي الخطر، وعليه: لا بد من معاملتها بنفَس طويل وصبر مديد ووعي شديد، وإشغالها بالخير حتى لا تشغَل صاحبها بالشر، وحملها على ما تكره مما فيه النجاة، دون الالتفات لرغباتها وشهواتها، {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا } [الشمس: 7 - 10].

 

هذا مع الحذر من خطوات الشيطان وأساليبه وحيَله التي تجتمع على المرء مع نفسه لترديه، فالإنسان في هذه الحياة موضوع تحت البلاء والامتحان من خلال هذه الضغوطات: (النفس الأمارة بالسوء، والشيطان، والمغريات، والحاجة البدنية الطبيعية)، كل ذلك ليعلم اللهُ تعالى المتقين من غيرهم، فلا بد من صبر يمتزج مع الحياة - طال أو قصر-، حتى نصل من خلاله إلى رضا الله تعالى.

 

3)صوم النفل:

أرشد النبي صلى الله عليه وسلم الشباب إلى الزواج، وأرشد من عَجز منهم عن الزواج إلى الصيام فقال: «يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوَّج، فإنه أغضُّ للبصر وأحصنُ للفَرْج، ومن لم يستطع فعليه بالصَّوم، فإنه له وجاء» [متفق عليه]، وغالباً لا تظهر الفائدة من الصيام إلا بمتابعته والمداومة عليه زمناً.

 

4)الاشتغال بتطوير الذات:

وملأ الوقت بالجد والعمل وبناء النفس وشحذ الهمة وتنويع المهارات، كالعمل الإضافي والرياضة والقراءة والالتحاق بالدورات التدريبية والتعليمية غير المختلطة...؛ إذ إن المرء إن استنفد طاقاته فيما أباح الله تعالى له، لم يبق في النفس ما يدفعها إلى طلب اللذات والشهوات المحرَّمة، وإن ترك المرء نفسه للأفكار والخواطر وأطلق لها العنان في ذلك أخذته إلى ما لا تحمد عقباه، وساقته إلى أوخم مصير وأكبر معصية، أما إن ألزمها شرع الله تعالى نجا ونجَت، وفاز بخيري الدنيا والآخرة.

 

5)الإقبال على الله:

فمن أقبل على الله أقبل عليه، ومن أراد وعزم وعقد النية على النجاة بنفسه والحفاظ على عفته ومشاعره ودينه وقيمه وتربيته فسيكون له من الله عون يسهل عليه السير على الدرب الذي أراده الله له حين قال: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام:153].

والمقبل على الله يستشعر خوف الله تبارك وتعالى في نفسه، ويوقن بأن الله تعالى مطَّلع عليه عالم بسريرته وعلانيته، محاسب له على ما يقترف ويفعل، فيدعوه ذلك لاجتناب المعاصي والاستكثار من الطاعات، وكبح جماح نفسه، وإلجام شهوته وغريزته.

 

6)الإكثار من العمل الصالح:

فالروح  تحتاج إلى صفاءٍ، والقلب يحتاج إلى غذاءٍ، كما يحتاج الجسد إلى طعامٍ وكساءٍ.. فلا يضنّ شابٌّ على روحه وعقله بجميل الصلة بخالقه، وليشتغل بالاستغفار والأذكار المأثورة طمعاً برضا مولاه واجتناب سخطه، وليتأكد أن هذا القلب لا يستحق محبته غير ربه، فليُهده له، وليتقرب إلى الله بما أحب من عمل؛ لأن العمل الصالح يجرُّ صالحاً، وصلاحُ الظاهر يُصلِح الباطنَ، وكما قال عروة ابن الزبير: «إذا رأيت الرجل يعمل الحسنة فاعلم أن لها عنده أخوات, فإن الحسنة تدل على أختها, وإذا رأيته يعمل السيئة فاعلم أن لها عنده أخوات, فإن السيئة تدل على أختها» [مصنف ابن أبي شبية].

هذا مع الحذر من الذنوب واجتناب الشبهات، وعدم بذل النفس للشهوات، فما عند الله خيرٌ وأبقى للمؤمنين والمؤمنات.

 

7)الاستعانة بالله:

والضراعة على بابه أن يحفظ على صاحب الحاجة عفته ودينه، وأن يكتبه مع السعداء، فهو سبحانه لا يعجزه أمر عبده، ولا يخفى عليه شيء من حاله، وهو على كل شيء قدير، فليسأله أن يحبب إليه الإيمان ويزينه في قلبه وأن يكرِّه إليه الكفر والفسوق والعصيان، وأن يجعله من الراشدين، وليكثر من دعاء: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} [البقرة: 286].

 

8)الرفقة الصالحة:

ما تقود إليه رفقة الفاسدين من البلايا في هذا الشأن واضح وضوح الشمس، وما توصل إليه صحبتهم كفيل بإزهاق النفس، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل» [أحمد].

وصحبة الفجار لا تصنع الأخيار، ولا تزيد النار إلا الأوار، وعلى المسلم أن يجاهدَ نفسَه على تجنب الحرام، وأن يفارق البيئة التي توقعه في الحرام أو تشجعه عليه.

 

9)التزام مجلس علم أسبوعي:

فالعلم حصن لصاحبه، ونور يهديه سبيله، ويبصِّره مواطن الهلاك وسبل النجاة، فيختار لنفسه ما يحفظها في الحياة وبعد الممات.

 

10)الأخذ بالتعاليم الطبية:

ومن ذلك:

- تناول الدواء الآمن: فلا بأس إذا وجدَ الإنسانُ من نفسه شهوةً عارمةً، وخشي الوقوعَ في الحرام أن يستخدمَ دواءً يخفِّف ما يجد إذا كان هذا الدواءُ لا يضرُّ ببدنه وقدرته على الإنجاب، وأما إذا كان لهذا الدواء مضاعفاتٌ وأضرارٌ، فيُنظَر: هل هذه الأضرار يسيرة أم كبيرة؟ والذي يفصل في هذا الأمر هو الطبيب المسلمُ الثقة، فإذا كان الضررُ يسيراً فيُغتَفر في مقابل تجنُّبِ الفاحشة، وأما إذا كان ضرره كبيراً فلا يجوز تناولُه.

- الإكثار من الحمامات الباردة في موسم الصيف.

- تجنب الأطعمة المحتوية على البهار والتوابل.

- الإقلال ما أمكن من اللحوم الحمراء والبيض، والمنبهات العصبية كالقهوة والشاي.

- التقليل من الطعام عموماً، واختياره بعناية، فمن شحن جسده بطاقة عظيمة، ولم يجد بعدها موضعاً يفرغ فيه هذه الطاقة، اشتدَّت شهوته، وتطلَّعت نفسه إلى مسالك الرذيلة.

- عدم الخلود إلى الفراش باكراً، واجتناب النوم على الظهر أو البطن، بل السُّنة أن ينام المسلم على شقِّه الأيمن مستقبلاً بوجهه القبلة.

 

ختاماً:

اعلم أخي القارئ أن طريق الجنة وعر المسالك، وأن منازلها شاهقة الأبعاد، فلا يصل الناس إليها بالأمنيات، ولا مجال لأن يتفاوتوا فيها بالرغائب..

ألا يا رُبَّ نفس طاعمة ناعمة فى الدنيا جائعة عارية يوم القيامة!!

ألا يا رُب نفس جائعة عارية في الدنيا طاعمة ناعمة يوم القيامة!!

ألا يا رُب مكرمٍ لنفسه وهو لها مُهين!

ألا يا رُب مهين لنفسه وهو لها مكرم!

ألا يا رُب متخوض ومتنعِّم فيما أفاء الله عليه ما له عند الله من خلاق!

ألا وإن عمل الجنة حزن بربوة، وإن عمل الآخرة سهل بسهوة!

ألا رب شهوة ساعة قد أورثت حزنًا طويلاً!!

نسأل الله تعالى لشبابنا الثبات والعافية.