بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

سنتحدث عن الأمل من خلال ثلاث نقاط:

  • النقطة الأولى: الأمل في القرآن الكريم.
  • النقطة الثانية: الأمل في الحديث الشريف.
  • النقطة الثالثة: المطلوب ممن نزل به البلاء.

 

- النقطة الأولى: الأمل في القرآن الكريم:

 

  • قال الله تعالى عن سيدنا أيوب: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ}  [الأنبياء : 83-84]
  • وقال تعالى على لسان زكريا عليه السلام: {قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا * وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا * يَازَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ} [مريم: 4 - 7]
  • وقال الله تعالى: {وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ} [الحجر:56]
  • وقال الله تعالى: {إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف:87].

 

- النقطة الثانية: الأمل في الحديث الشريف:

 

- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ حسن الظَّن بالله من حسن العبادة» [رواه الترمذي والحاكم].

- وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قال الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي» [رواه البخاري ومسلم].

- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ» [مسلم]

- وروى ابن أبي حاتم والبزار عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل: ما الكبائر؟ فقال: «الشرك بالله، والإياس من روح الله، والأمن من مكر الله».

- و«كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا حَزَبَه أمر صلَّى» [أخرجه أبو داود]. أي: إذا نزل به أمر مهم أو أصابه غم طلب الخلاص في الصلاة.

- وعن محمد بن كعب قال: (الكبائر ثلاث: أن تأمن مكر الله، وأن تقنط من رحمة الله، وأن تيأس من روح الله).

- ومن الأمل عند النبي صلى الله عليه وسلم ما قال اليهود والمنافقون يوم الخندق: (إن محمداً يَعِدُ أصحابه بملك كسرى وقيصر، وإن أحدهم لا يأمن على نفسه أن يقضي حاجته،  وإن أحدهم لا يجدُ الطعام يَطْعَمُه).

 

ويجرنا الحديث عن الأمل في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحديث عن الأمل عند الأنبياء:

 

- فقد فرَّج الله عن إبراهيم من نار النمروذ في اللحظة الأخيرة، وعن هاجر وطفلها إسماعيل عليهما السلام في اللحظة الأخيرة، وعن إسماعيل وقت الذبح في اللحظة الأخيرة، وعن موسى لما لحقه فرعون بجنوده كذلك، وعن عيسى لما أرادوا صلبه كذلك... كل هؤلاء أتاهم الفرَج في اللحظة الأخيرة ووافق عندهم ثقة بخالقهم منقطعة النظير، فما ضاعت هذه الثقة، قال الله تعالى: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ} [يوسف:110].

- وفَقَدَ سيدنا يعقوب ولده يوسف، وبكى عليه بكاء مريراً، وتألّم لفقده ألماً شديداً، وكبرت سنُّ يعقوب، وانحنى ظهره، وابيضّت عيناه من الحزن، وقال يوماً لأولاده: {يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف:87]، قال بعض أهل التَّفسير: كان بين دعوة يعقوب أولاده للبحث عن أخيهم وبين فقده أربعون سنة!! لا تيأسوا من روح الله فإنَّ فرجه قريب.

 

يقول الشاعر:

يا صاحب الهمِّ إنَّ الهمّ منفرجٌ
اليأسُ يقطع أحياناً بصاحبه
الله يُحدِث بعد العسر ميسرةً
فإذا بُليت فثق باللهِ وارض به
والله ما لك غيرُ اللهِ من أحدٍ
 

 

أبشر بخيرٍ فإنَّ الفارج اللهُ
لا تيأسنَّ فإنَّ الكافي اللهُ
لا تجزعنَّ فإنَّ الصانعَ اللهُ
إنَّ الذي يكشف البلوى هو اللهُ
فحسبك الله في كلٍ لك اللهُ
 

 

وقال غيره:

ولَرُبَّ نازلةٍ يضيق بها الفتى

 

ذرعاً وعند الله منها المخرجُ

ضاقت فلما استحكمت حلقاتها

 

فُرجَت وكنتُ أظن أنها لا تُفرجُ

 

أيها الإخوة والأخوات:

 

إن بعد كل مِحْنةٍ مِنْحة، وبعد كلِّ شِدَةٍ شَدَّة، وبعد كلِّ ضيقٍ فرَج، وبعد كل بليَّةٍ عطيَّة، وإن مع العُسر يُسراً. والشدة إذا تتابعت انفرجت وإذا توالت تَولّت، وإن الله مع المحسنين {سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا} [الطلاق:7]

نعم، عند تناهي الشدة يكون الفرج، وعند تضايق البلاء يكون الرخاء، وأفضل العبادة انتظار الفرَج.

 

- النقطة الثالثة: المطلوب ممن نزل به بلاء:

 

أولاً: الالتجاء إلى الله تعالى:

 

والفرار إليه، والاعتضاد به، والاعتصام بحبله، والضراعة إليه، والتوكل عليه، في الأوقات عامة، وفي الضيق خاصة، وهذا باب عريض من أبواب الفهم عن الله، ومن أبواب تفريج كلّ ضيق، وتنفيس كلّ كرب، وحلّ كلّ عسير، والإحاطة بكلّ أزمة، وتيسير كلّ شدة.

يقول الله تعالى: {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ} [الذاريات:50]

ويقول الله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة : 186]

 

ثانياً: الثقة بموعود الله:

 

هل تعلمون أحداً أصدقَ من الله حديثاً، أم هل تعلمون أحداً أصدق من الله قيلاً، {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا} [النساء: 87]، {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا} [النساء: 122]، {قُلْ صَدَقَ اللَّهُ}[آل عمران:95]...

وقد وعد الله تعالى عباده أصحاب الابتلاء فقال: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [الشرح: 5-6]

 

ثالثا: المحافظة على الحالة النفسية الإيجابية:

 

واستحضار قول الله تعالى: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة:216].

فالجزع والضجر والتأفف والصخب... لا يغيِّر من القدر شيئاً، وكما قيل: (إن لم أصبر فما أصنع؟).

 

رابعاً: اللجوء للرِّعايةِ الطِّبيَّةِ:

 

فما خَلَقَ اللهُ مِن داءٍ إلا وجَعَلَ له دواءً، قالَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: «إنَّ اللهَ أنْزَلَ الدَّاءَ والدَّوَاءَ، وجعلَ لكلِّ داءٍ دواءاً، فَتَدَاوَوْا، ولا تَدَاوَوْا بحرامٍ» [أخرجه أبو داود].

ولا بأسَ أنْ يسأَلَ الإنسان عن أفضلِ مَنْ يُعالِجُ في هذا المجالِ ممَّنْ حَوْله، لكنِ يحذَرْ أنْ يطلبَ الدواءَ من غيرِ أهلِهِ، فزيارَةُ المشَعْوِذينَ والكذَّابينَ والأفَّاكينَ وأدعياءَ الدِّينِ تُذهِبُ مالَه وتُرهِقُ عيالَه، ثم يعودُ صِفْرَ اليدينِ.

 

خامساً: مراجعة الذات، والتوبة إلى الله:

 

قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرَّعد:11].

جاء رجل إلى أحد الصالحين فقال له: ادعُ الله لي في دين لزمني زمناً، فإني أدعو ولا يستجاب لي! فقال الشيخ: لعل الذي تدعوه لا يسمع؟! قال الرجل: معاذ الله، إنه يسمع دبيب النملة السوداء في الليلة الظلماء على الصخرة الصماء!! فقال الشيخ: إذن: لعل خزائنه نفدت؟! قال الرجل: معاذ الله، بيده ملك السموات والأرض!! فقال الشيخ: إذن: أيعقل أن يكون بخيلاً؟! قال الرجل: معاذ الله، هو أكرم الأكرمين!! فقال الشيخ: إن كان يسمع، وخزائنه ملآى، وهو الكريم، فممن العيب (الحق على مين)؟

 

سادساً: لا تستعجلوا على الله، فهو أعلم بالخير.

 

ففي صحيح مسلم عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «لا يَزَالُ يُسْتَجَابُ لِلْعَبْدِ مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ، مَا لَمْ يَسْتَعْجِلْ»، قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: مَا الِاسْتِعْجَالُ؟ قَالَ يَقُولُ: «قَدْ دَعَوْتُ وَقَدْ دَعَوْتُ فَلَمْ أَرَ يَسْتَجِيبُ لي فَيَسْتَحْسِرُ ـ أي فينقطع عن الدعاء ويتركه ـ عِنْدَ ذَلِكَ وَيَدَعُ الدُّعَاءَ».

 

سابعاً: الإكثار من الأعمال الصالحة:

 

أخي المسلم: ألك عند الله حاجة؟ أتريد منه شيئاً؟

أعندك أمرٌ لدى النَّاس لا يمضي؟ وحاجةٌ عند عبدٍ من عباده لا تنقضي؟

أعندك مرض استعصى، وهمٌّ استحكم وغمٌّ استقوى؟

إذا أردتَ لحاجتك أن تُقضى، فقِفْ على باب خالقك، واسألْهُ وتذلَّلْ لهُ، واجعل مع ذلك الدعاء قطراناً، فقم واقض حاجة الخلق، يقضِ الله لك حاجتك، فالصفة التي تعامل بها الخلق يعاملك بها الحق.

قال صلى الله عليه وسلم: «وَاللَّهُ فِى عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِى عَوْنِ أَخِيهِ» [مسلم]، «وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ» [متفق عليه].

 

فالعمل الصالح يجلب الاستجابة ويقضي الحاجة، في حين يمنعها الذنب، أخرج الترمذي ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيها الناس، إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً...، ثم ذكر الرجل يطيل السفر، أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء: يا رب، يا رب ومطعَمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغُذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك؟». قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرَّعد:11].

 

ختاماً: نسأل الله تعالى لنا ولكم تمام العافية، ودوام العافية، والشكر على العافية.

 

والحمد لله رب العالمين